سورة هود - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


قوله تعالى: {وقال} يعني نوحاً للذين أمر بحملهم {اركبوا} السفينة.
قال ابن عباس: ركبوا فيها لعشر مضين من رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء.
وقال ابن جريج: رفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر مضين من رجب، فأتت موضع البيت فطافت به أسبوعاً، وكان البيت قد رُفع في ذلك الوقت، ورست ببا قِرْدى على الجودي يوم عاشوراء. قال ابن عباس: قرض الفأر حبال السفينة، فشكا نوح ذلك، فأوحى الله تعالى إِليه، فمسح ذنب الأسد، فخرج سنَّوْرانِ، وكان في السفينة عَذِرة، فشكا ذلك إِلى ربه، فأوحى الله تعالى إِليه، فمسح ذنب الفيل، فخرج خنزيران فأكلا ذلك.
قوله تعالى: {بسم الله مجراها ومرساها} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبوبكر عن عاصم: {مُجراها} بضم الميم. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {مَجراها} بفتح الميم، وكسر الراء. وكلهم قرؤوا بضم الميم من {مرساها}، إِلا أن ابن كثير، وأبا عمرو، وابن عامر، وحفصاً عن عاصم، كانوا يفتحون السين. ونافع، وأبو بكر عن عاصم، كانا يقرآنها بين الكسر والتفخيم. وكان حمزة، والكسائي، وخلف، يميلونها. وليس في هؤلاء أحد جعلها نعتاً لله، وإِنما جعل الوصفين نعتاً لله تعالى، الحسن، وقتادة، وحُميد الأعرج، وإِسماعيل بن مجالد عن عاصم، فقرؤوا {مُجرِيها ومُرسِيها} بضم الميم، وبياءين صحيحتين، مثل مبديها ومنشيها. وقرأ ابن مسعود: {مجراها} بفتح الميم، وإِمالة الراء بعدها ألف، {ومرساها} برفع الميم، وإِمالة السين بعدها ألف. وقرأ أبو رزين، وأبوالمتوكل: {مجراها} بفتح الميم والراء، وبألف بعدها، ومرساها، برفع الميم وفتح السين، وبألف بعدها. وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: {مَجراها ومَرساها} بفتح الميم فيهما جميعاً، وفتح الراء والسين، وبألف بعدهما.
وقرأ يحيى بن وثاب بفتح الميمين، إِلا أنه أمال الراء والسين فيهما، وقرأ أبو عمران الجوني، وابن جبير، برفع الميم فيهما، وفتح الراء والسين، وبألف بعدهما جميعاً. فمن قرأ بضم الميمين، جعله من أجرى وأرسى. ومن فتحهما، جعله مصدراً من جرى الشيء يجري مَجرى، ورسى يرسي مَرسى. قال الزجاج: قوله: {بسم الله} أي: بالله، والمعنى: أنه أمرهم أن يسمُّوا في وقت جريها ووقت استقرارها.
ومن قرأ بضم الميمين، فالمعنى: بالله إِجراؤها، وبالله إِرساها. ومن فتحهما، فالمعنى: بالله يكون جريها، وبالله يقع إِرساؤها، أي: إِقرارها. وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول: من ضم الميم في {مُجراها} أراد: أجراها اللهُ مجرىً، ومن فتحها، أراد: جرت مَجرى. وقال الضحاك: كان إِذا أراد أن تجري، قال: بسم الله، فجرت. وإذا أراد أن ترسي، قال: بسم الله، فرست.


قوله تعالى: {وهي تجري بهم في موج كالجبال} شبهه بالجبال في عِظَمه وارتفاعه، ويقال: إِن الماء أرتفع على أطول جبل في الأرض أربعين ذراعاً، ويروي خمس عشرة ذراعاً. وذكر بعض المفسرين أنه ارتفع نحو السماء سبعين فرسخاً من الأرض.
قوله تعالى: {ونادى نوح ابنه} لا يختلفون أنه كان كافراً. وفي اسمه قولان:
أحدهما: كنعان، وهو قول الأكثرين.
والثاني: اسمه يام، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عبيد بن عمير، وابن إِسحاق.
قوله تعالى: {وكان في مَعْزِلٍ} المعزل: المكان المنقطع. ومعنى العزل: التنحية. وفي معنى الكلام وجهان ذكرهما الزجاج.
أحدهما: في معزل من السفينة.
والثاني: في معزل من دين أبيه.
قوله تعالى: {يابني اركب معنا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبوعمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي {يابني اركب} مضافة، بكسر الياء. وروى أبوبكر عن عاصم {يابنيَ} مفتوحة الياء ها هنا، وباقي القرآن مكسورة.
وروى حفص عنه بالفتح في كل القرآن {يابنيَّ} إِذا كان واحداً. قال النحويون: الأصل في {بُنيّ} ثلاث ياءات، ياء التصغير، وياء بعدها هي لام الفعل، وياء بعد لام الفعل هي ياء الإِضافة. فمن قرأ {يابُني} أراد: يابنيي، فحذف ياء الاضافة، وترك الكسرة تدل عليها، كما يقال: يا غلام أقبل. ومن فتح الياء، أبدل من كسرة لام الفعل فتحة، استثقالاً لاجتماع الياءات مع الكسرة، فانقلبت ياء الإِضافة ألفاً، ثم حذفت الألف كما تحذف الياء، فبقيت الفتحة على حالها. وقيل: إِن المعنى: يا بني آمن واركب معنا.
قوله تعالى: {سآوي} أي: سأصير وأرجع {إِلى جبل يعصمني} أي: يمنعني {من الماء} أي: من تغريق الماء.
{قال لاعاصم اليوم} فيه قولان:
أحدهما: لا مانع اليوم من أمر الله، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: لا معصوم، ومثله: ماء دافق، أي مدفوق، وسرٌّ كاتم، وليلٌ نائم، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {إِلا من رحم} قال الزجاج: هذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن من رحم الله فانه معصوم. قال مقاتل: إِلا من رحم فركب السفينة.
قوله تعالى: {وحال بينهما الموج} في المكني عنها قولان:
أحدهما: أنهما ابن نوح والجبل الذي زعم أنه يعصمه، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: نوح وابنه، قاله مقاتل.


قوله تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك} وقف قوم على ظاهر الآية، وقالوا: إِنما ابتلعت مانبع منها، ولم تبتلع ماء السماء، فصار ذلك بحاراً وأنهاراً، وهو معنى قول ابن عباس. وذهب آخرون إِلى أن المراد: ابلعي ماءك الذي عليك، وهو ما نبع من الأرض ونزل من السماء، وذلك بعد أن غرق ما على وجه الأرض.
قوله تعالى: {وياسماء أقلعي} أي: أمسكي عن إِنزال الماء. قال ابن الأنباري: لما تقدم ذكر الماء، عُلم أن المعنى: أقلعي عن إِنزال الماء.
قوله تعالى: {وغيض الماء} أي: نقص. قال الزجاج: يقال: غاض الماء يغيض: إِذا غاب في الأرض. ويجوز إِشمام الضم في الغين.
قوله تعالى: {وقضي الأمر} قال ابن عباس: غرق مَنْ غرق، ونجا مَنْ نجا. وقال مجاهد: قضي الأمر: هلاك قوم نوح. وقال ابن قتيبة: {وقضي الأمر} أي: فرغ منه. قال ابن الأنباري: والمعنى: أُحكمتْ هلكة قوم نوح، فلما دلت القصة على ما يبيِّن هلكتهم، أغنى عن نعت الأمر.
قوله تعالى: {واستوت} يعني السفينة {على الجوديّ} وهو اسم جبل. وقرأ الأعمش، وابن أبي عبلة: {على الجودي} بسكون الياء. قال ابن الأنباري: وتشديد الياء في {الجوديّ} لأنها ياء النسبة، فهي كالياء في علوي، وهاشمي. وقد خففها بعض القراء. ومن العرب من يخفف ياء النسبة، فيسكنها في الرفع، والخفض، ويفتحها في النصب، فيقول: قام زيد العلوي، ورأيت زيداً العلوي.
قال ابن عباس: درات السفينة بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها الله إِلى الجودي فاستقرت عليه. واختلفوا أين هذا الجبل على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه بالموصل، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والثاني: بالجزيرة، قاله مجاهد، وقتادة. وقال مقاتل: هو بالجزيرة قريب من الموصل.
والثالث: أنه بناحية آمِد، قاله الزجاج.
وفي علة استوائها عليه قولان:
أحدهما: أنه لم يغرق، لأن الجبال تشامخت يومئذ وتطاولت، وتواضع هو فلم يغرق، فأرست عليه، قاله مجاهد.
والثاني: أنه لما قلَّ الماء أَرْسَتْ عليه، فكان استواؤها عليه دلالة على قلة الماء.
قوله تعالى: {وقيل بُعْدَاً للقوم الظالمين} قال ابن عباس: بُعداً من رحمة الله للقوم الكافرين.
فان قيل: ما ذنب من أُغرق من البهائم والأطفال؟ فالجواب: أنَّ آجالهم حضرت، فأُميتوا بالغرق، قاله الضحاك، وابن جريج.
قوله تعالى: {رب إِنَّ ابني من أهلي} إِنما قال نوح هذا، لأن الله تعالى وعده نجاة أهله، فقال: {وإِن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} قال ابن عباس: أعدل العادلين. وقال ابن زيد: فأنت أحكم الحاكمين بالحق. واختلفوا في هذا الذي سأل فيه نوح على قولين.
أحدهما: أنه ابن نوح لصلبه، قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، والجمهور.
والثاني: أنه ولد على فراشه لغير رِشدة ولم يكن ابنه. روى ابن الأنباري باسناده عن الحسن أنه قال: لم يكن ابنَه، إِن امرأته فجرت. وعن الشعبي قال: لم يكن ابنه، إِن امرأته خانته، وعن مجاهد نحو ذلك. وقال ابن جريج: ناداه نوح وهو يحسب أنه ابنه، وكان وُلد على فراشه. فعلى القول الأول، يكون في معنى قوله: {إِنه ليس من أهلك} قولان:
أحدهما: ليس من أهل دينك.
والثاني: ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم. قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وإِنما المعنى: ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم. وعلى القول الآخر: الكلام على ظاهره، والأول أصح، لموافقته ظاهر القرآن، ولاجتماع الأكثرين عليه، وهو أولى من رمي زوجة نبي بفاحشة.
قوله تعالى: {إِنه عملٌ غيرُ صالح} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة: {إِنه عملٌ} رفع منون {غيرُ صالح} برفع الراء، وفيه قولان:
أحدهما: أنه يرجع إِلى السؤال فيه، فالمعنى: سؤلك إِياي فيه عمل غير صالح، قاله ابن عباس، وقتادة، وهذا ظاهر، لأنه قد تقدم السؤال فيه في قوله: {رب إِن ابني من أهلي} فرجعت الكناية إِليه.
والثاني: أنه يرجع إِلى المسؤول فيه.
وفي هذا المعنى قولان:
أحدهما: أنه لغير رِشدة، قاله الحسن.
والثاني: أن المعنى: إِنه ذو عمل غير صالح، قاله الزجاج. قال ابن الأنباري: من قال: هو لغير رِشدة، قال: المعنى: إِن أصل أبنك الذي تظن أنه أبنك عملٌ غير صالح. ومن قال: إِنه ذو عمل غير صالح، قال: حذف المضاف، وأقام العمل مقامه، كما تقول العرب: عبد الله إِقبال وإِدبار، أي: صاحب إِقبال وإِدبار. وقرأ الكسائي: {عَمِلَ} بكسر الميم وفتح اللام {غيرَ صالح} بفتح الراء، يشير إِلى أنه مشرك.
قوله تعالى: {فلا تسألنِ ما ليس لك به علم} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: «فلا تسألنَّ» بفتح اللام، وتشديد النون، غير أن نافعاً، وابن عامر، كسرا النون، وفتحها ابن كثير، وحذفوا الياء في الوصل والوقف. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، بسكون اللام وتخفيف النون، غير أن أبا عمرو، وأبا جعفر، أثبتا الياء في الوصل، وحذفاها في الوقف، ووقف عليها يعقوب بالياء، والباقون يحذفونها في الحالين. قال أبو علي: من كسر النون، فقد عدَّى السؤال إِلى مفعولين،
أحدهما: اسم المتكلم، والآخر: الاسم الموصول، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلم لاجتماع النونات. وأما إِثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وحذفها أخف، والكسرة تدل عليها، وتُعلِمُ أن المفعول مراد في المعنى. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه نسبته إِليه، وليس منه.
والثاني: في إِدخاله إِياه في جملة أهله الذين وعده نجاتهم.
والثالث: سؤاله في إِنجاء كافر من العذاب.
قوله تعالى: {إِني أعظك أن تكون من الجاهلين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن تكون من الجاهلين في سؤالك مَنْ ليس مِنْ حزبك.
والثاني: من الجاهلين بوعدي، لأني وعدت بانجاء المؤمنين.
والثالث: من الجاهلين بنسبك، لأنه ليس من أهلك.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11